أظهرت وثيقة مسربة أن الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني السابق، علي شمخاني، حذر في رسالة "سرية للغاية"، المرشد الإيراني، علي خامنئي، من عواقب الموافقة على تشكيل لجنة أممية لتقصي الحقائق حول الاحتجاجات الإيرانية الأخيرة، متخوفا من أنها قد تمتد لإعدامات 1981م.
وتم تحذير علي خامنئي في الرسالة، بتاريخ 8 نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، من أن تشكيل لجنة لتقصي الحقائق، بالإضافة إلى الكشف عن أبعاد عنف النظام الإيراني ضد المتظاهرين، من الممكن أن يشمل الإعدامات الجماعية عام 1981 أيضًا.
ونُشرت الوثيقة "السرية للغاية"، اليوم الأحد، من قبل مجموعة قراصنة "ثورة حتى إسقاط النظام" على قناتهم في تطبيق تلغرام، بعد اختراقهم لموقع الرئاسة الإيرانية.
وكانت هذه المجموعة قد كشفت في وقت سابق، عن وثائق أخرى تتعلق بالقرارات السرية لأجهزة الأمن والاستخبارات الإيرانية، بخصوص تعاملهم مع المتظاهرين.
وأشار شمخاني في رسالته إلى "العواقب السياسية والقانونية" لعمل مجلس حقوق الإنسان، بالنسبة لنظام طهران. كما زعم أن لجنة تقصي الحقائق تُشكّل "فقط للدول المتورطة في نزاع مسلح" وتشكيلها لقضية مرتبطة بحقوق الإنسان غير مسبوق، مما يؤكد وجود أزمة في إيران".
وقدم شمخاني في رسالته إلى خامنئي، مقترحات لمنع تشكيل لجنة تقصي الحقائق، وكان أحد هذه المبررات دعوة "المقرر الخاص المعني بالحق في حرية التجمعات السلمية" إلى إيران.
ومضى قائلا إن رئيس مجلس حقوق الإنسان، وعد في اجتماع مع الوفد الإيراني في جنيف، بأنه إذا سافر المقرر الخاص المعني بالحق في حرية التجمعات السلمية، أو المقرر الخاص المعني بـ"حظر العنف ضد المرأة"، إلى إيران، فسيكون من الممكن إيقاف تشكيل لجنة لتقصي الحقائق.
وزعمت الرسالة أن عواقب قبول المقرر الخاص المعني بالحق في حرية التجمعات السلمية، أقل من عواقب قبول المقرر الخاص المعني بـ"حظر العنف ضد المرأة"؛ لأن حقوق المرأة في إيران لها مبادئ شرعية، وفي كثير من الحالات لا توجد إمكانية للمرونة".
وأوضح شمخاني أنه يمكن دعوة المقرر الخاص إلى إيران "بعد الاضطرابات"، في حين أن لجنة تقصي الحقائق "مفروضة علينا وستكون أثناء الاضطرابات".
ويصف نظام طهران الاحتجاجات الشعبية في إيران بأنها "اضطرابات"، بما في ذلك الاحتجاجات الشعبية الأخيرة، والتي بدأت بعد وفاة مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق، وانتشرت بعدها بسرعة إلى مدن جميع المحافظات الإيرانية.
وحذر شمخاني في جزء آخر من الرسالة السرية، خامنئي، من أن أنشطة لجنة تقصي الحقائق، من الممكن أن "تمتد" إلى قضايا أخرى، بما في ذلك، عمليات الإعدام الجماعية في عام 1981.
واقترح شمخاني أيضا أن تتفاوض وزارة الخارجية أولا مع دول أوروبية مثل ألمانيا وبولندا، لمعرفة مدى إمكانية وقف تشكيل لجنة تقصي الحقائق أولا إذا ما تمت دعوة المقرر الخاص المعني بالحق في حرية التجمعات السلمية، إلى إيران.
وورد في الرسالة أن تشكيل لجنة تحقيق داخلية، لمعالجة أحداث إيران الأخيرة، "ضرورة لا يمكن إنكارها". وقال شمخاني إن اللجنة لا ينبغي أن تكون تحت إشراف وزارة الداخلية، لأن الوزارة يجب أن تكون "في وضع المساءلة".
يذكر أنه وفقا للنظام الإيراني، فإن وزير الداخلية هو رئيس "مجلس الأمن القومي" والمسؤول عن تنفيذ أوامر المجلس في التعامل مع المتظاهرين.
وكان شمخاني قد دعا إلى إنشاء لجنة تحقيق داخلية تحت إشراف مؤسسات مثل منظمة حقوق الإنسان أو الإدارة القانونية الرئاسية أو وزارة العدل.
كما اقترح تشكيل "مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان" في إيران، مشيرا إلى أن السلطة القضائية، ووزارة الخارجية، ووزارة الاستخبارات، تشعر بالقلق إزاء "التداعيات الأمنية" لوجود المنظمات غير الحكومية.
ولهذا السبب، اقترح شمخاني ترشيح "شخص موثوق به" يتمتع بسلطات مناسبة، قبل قرار مجلس حقوق الإنسان.
وفي الرسالة، دعا شمخاني إلى "جلسة محاكمة" للاستماع إلى شكاوى الناس ضد ضباط الأمن والجيش "بالتزامن مع محاكمة مثيري الشغب"، والتي قال إنها يمكن أن تظهر "تصميم النظام الإيراني على التعامل مع اتهام السلطات، وإزالة حجج تشكيل لجنة لتقصي الحقائق".
كما دعا شمخاني إلى مواجهة " تقارير فاضحة" حول الداخل الإيراني، مشيرا إلى "الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 عاما، والذين أطلقت عليهم قائمة منظمة العفو الدولية ولجنة حقوق الطفل اسم "الأطفال الذين قتلوا" في الاحتجاجات الإيرانية الأخيرة.
وبعد حوالي أسبوعين من تاريخ الرسالة، صوت مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في اجتماع بتاريخ 24 نوفمبر (تشرين الثاني) لصالح تشكيل لجنة اتقصي الحقائق؛ بهدف التحقيق في تقارير "انتهاكات حقوق الإنسان في إيران، فيما يتعلق بالاحتجاجات التي بدأت بعد 16 سبتمبر (أيلول).
ودعا مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، في الاجتماع، نظام طهران، إلى إنهاء الاستخدام غير الضروري للقوة ضد المتظاهرين، مشيرا إلى أن هناك الآن "أزمة حقوق إنسان واسعة النطاق" في إيران.
وأعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، بعد بضعة أيام من الموافقة على تشكيل لجنة تقصي الحقائق التابعة لمجلس حقوق الإنسان، أن إيران لن تتعاون معها.
ولكن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أصدر قرارا في 20 ديسمبر (كانون الأول)، بتعيين ثلاث محاميات كعضوات في لجنة تقصي الحقائق، بشأن قتل وقمع المتظاهرين في إيران.
وانضمت إلى اللجنة، محامية المحكمة العليا في بنغلاديش، سارة حسين، وأستاذة القانون الباكستانية شهين سردار علي، وناشطة أرجنتينية في مجال حقوق الإنسان تدعى وويويانا كرستيجويج، كما ترأست اللجنة سارة حسين.
وعلى الرغم من أن العدد الدقيق لقتلى الاحتجاجات الإيرانية بعد وفاة مهسا أميني غير معروف، إلا أن تقارير إعلامية تمكنت حتى الآن من التحقق من هويات أكثر من 361 ضحية ونشرها. كما قدرت منظمات حقوقية أخرى، بما في ذلك منظمة حقوق الإنسان الإيرانية ووكالة "هرانا"، عدد القتلى بأكثر من 500 ضحية.
يذكر أن علي شمخاني، الذي كان أمينًا عامًا لمجلس الأمن القومي الإيراني منذ بداية حكومة حسن روحاني عام 2013، واستقال من هذا المنصب يوم 21 مايو (أيار) الماضي، وبعد يوم واحد، تم تعيين علي أكبر أحمديان أمينًا عامًا جديدًا للمجلس، والذي وصفته وسائل الإعلام الإيرانية بأنه عميد بحري.