لم يكن يُنظر إلى سقوط النظام الإيراني، خلال السنوات الماضية، كحقيقة ممكنة، بل كان يبدو احتمالاً بعيد المنال، ولكن في الآونة الأخيرة، تغير المشهد، وبدأ العديد من المحللين والخبراء، سواء داخل إيران أو خارجها، يتحدثون عن هذا الموضوع بجدية أكبر، ويقومون بدراسة أبعاد هذا التحول.
وتركز تحليلات هؤلاء الخبراء على الوضع الداخلي والإقليمي للنظام الإيراني، الذي يظهر أنه أصبح ضعيفًا جدًا وهشًا.
وتعد الهزائم الإقليمية، التي تكبدتها طهران أحد الأسباب الرئيسة لهذا الضعف، فبعد انتصار إسرائيل على الميليشيات التابعة للنظام الإيراني، مثل حماس وحزب الله، والسقوط السريع وغير المتوقع لحكومة بشار الأسد في سوريا، تقلصت المكانة الإقليمية لإيران بشكل كبير.
وقد أدت هذه الهزائم إلى مزيد من العزلة للنظام الإيراني في المنطقة، مما زاد من آمال الإيرانيين في إمكانية إسقاطه.
وقد تناولت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية هذا الموضوع، في تقرير تحليلي، ووصفت سقوط النظام الإيراني بأنه "حقيقة ممكنة".. مشيرة إلى الأزمات الداخلية والعزلة الإقليمية، واعتبرت أن النظام الإيراني أصبح أكثر ضعفًا.
ووفقًا لصحيفة " ليبراسيون"، فإن سقوط بشار الأسد قد خلق موجة من الأمل بين الإيرانيين، الذين يرون أنه قد يكون من الممكن أن يواجه النظام الإيراني مصيرًا مشابهًا، وهذه النقطة هي واحدة من أبرز النقاط، التي تناولتها الصحيفة، مما يدل على تغير في الأجواء الفكرية بين الإيرانيين.
كما تناولت مجلات دولية مرموقة أخرى احتمالية سقوط النظام الإيراني. فعلى سبيل المثال، أشار المحلل الأميركي الشهير، روبين رايت، في مقال نشرته مجلة "نيويوركر"، إلى انهيار التحالفات القوية للنظام الإيراني، واعتبر أن النظام يعيش مرحلة من التراجع والضعف في الوضع الحالي.. مؤكدًا أن الهزائم الإقليمية والمشاكل الداخلية وضعت النظام الإيراني في وضعية حرجة.
وأفادت وكالة "رويترز"، في تقرير لها، نقلاً عن خبراء بأنه بعد هزيمة حماس وحزب الله وسقوط الأسد، قد يكون الهدف المقبل لإسرائيل هو إيران. وأشار التقرير إلى أنه إذا استمرت طهران في برنامجها النووي، فإن احتمال شن هجوم عسكري من إسرائيل وأميركا على إيران قد يرتفع. كما أكدت "رويترز" أن إسرائيل لا تركز فقط على البرنامج النووي الإيراني، بل أيضًا على برنامجها الصاروخي.
وتشير هذه التطورات إلى تغيير كبير في التحليلات والاتجاهات تجاه مستقبل النظام الإيراني، وتحول هذه الإمكانية إلى حقيقة ممكنة.
وقد تحدث السيناتور الجمهوري الأميركي، تيد كروز، مؤخرًا بوضوح أكبر عن احتمال حدوث تغيير في إيران، قائلاً: "إن عودة ترامب إلى السلطة ستمنع إيران من الوصول إلى عائدات النفط، مما سيقوض قدرتها على دعم وكلائها، مثل حماس وحزب الله".
وأضاف كروز أن النظام الإيراني أصبح ضعيفًا وخائفًا، وأن التغيير قادم لا محالة، وأكد أن هذا التغيير قد يكون سريعًا لدرجة تثير دهشة الكثيرين.
وتشير هذه التحليلات إلى أن الأنظمة الديكتاتورية قد تنهار في بعض الأحيان بسرعة تفوق التصورات؛ بحيث يفاجئ سقوطها حتى داعميها ومعارضيها على حد سواء. والمثال الأحدث على ذلك هو السقوط المفاجئ لبشار الأسد في سوريا، الذي حدث خلال عشرة أيام فقط.
ويعترف المسؤولون في النظام الإيراني بوجود هذه الأزمات، داخل طهران، لكنهم يعبرون عنها بحذر نظرًا للظروف السياسية.
وبشكل عام، يعتقد الخبراء المحليون وبعض المسؤولين من مختلف التيارات السياسية في طهران أن خطر سقوط النظام الإيراني نتيجة الضغوط الخارجية والأزمات الداخلية بات أمرًا جديًا. ومع ذلك، هناك خلافات حول كيفية مواجهة هذا الخطر.
ويرى بعض المسؤولين الإيرانيين أن السياسة الخارجية يجب أن تصبح أكثر مرونة لتخفيف خطر الهجمات العسكرية، بينما يرى آخرون ضرورة الاستمرار في نهج المقاومة والصمود، حتى أنهم يتحدثون عن إمكانية الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT) وصنع قنبلة نووية.
وفي المقابل، هناك من يدعو إلى التفاوض وتبني مرونة خارجية، مع تخفيف الضغط على الشعب داخليًا، وتعكس هذه الاختلافات عمق الأزمة داخل النظام الإيراني.
وبالنظر إلى كل هذه العوامل، يبدو أن سقوط النظام الإيراني لم يعد احتمالاً بعيدًا، بل أصبح واقعًا محتملاً؛ فقد اجتمعت عدة عوامل داخلية وخارجية لإضعاف النظام بشكل كبير، منها الأزمات الاقتصادية، والهزائم الإقليمية، والعزلة الدولية، والضغوط الشعبية المتزايدة؛ حيث تشير جميعها إلى مستقبل غامض لبقاء النظام. وهذه التطورات تؤكد أن تغييرات كبيرة قد تحدث في إيران أسرع مما هو متوقع.