مع استمرار حالات التسمم المتسلسلة في المدارس الإيرانية، تصاعدت ردود الفعل العالمية على هذا "الاغتيال البيولوجي"، حيث أعربت أستراليا، إلى جانب أميركا، عن قلقهما بشأن تسمم التلميذات في المدارس. كما حذرت "اليونيسف" من تداعيات هذا الحادث على نسبة تعليم الطلاب وخاصة البنات.
من جهتها، نشرت منظمة حقوق الإنسان الإيرانية، ومقرها النرويج، بيانا، اليوم الخميس 2 مارس (آذار)، وصفت فيه تسمم الطالبات في المدارس بأنه "هجمات كيماوية إرهابية منظمة"، ونظرا لوجود تكهنات وفرضيات تفيد بارتباط المتورطين في الهجمات مع المؤسسات الأمنية في إيران، لذا ندعو المجتمع الدولي إلى رد فعل حاسم وعاجل.
ووصف مدير منظمة حقوق الإنسان الإيرانية، محمود أميري مقدم، "الهجوم الكيماوي" على عدة مدارس بأنه "علامة على التخطيط والتنسيق لهذه الهجمات"، وقال إن عدم وجود رد فعل جاد من قبل السلطات الإيرانية يعزز التكهنات القائلة بأن منفذي الهجمات "مرتبطون بشكل مباشر أو غير مباشر مع مؤسسات النظام الخاضعة لإشراف المرشد علي خامنئي".
ولفت أميري مقدم إلى تاريخ النظام الإيراني في تنفيذ الجرائم المنظمة بما فيها القتل الجماعي للمعارضين السياسيين، محذرا من "أن عدم إبداء المجتمع الدولي رد فعل يمكن أن يكون له عواقب وخيمة على الفتيات الإيرانيات".
كما أشارت منظمة حقوق الإنسان الإيرانية في بيانها إلى تلميذة تدعى فاطمة رضائي، قالت إنها فقدت حياتها في هذه الهجمات الكيماوية وانتزع النظام الإيراني الاعترافات القسرية من والدها ليقول إن وفاة ابنته لم يرتبط بهذه الهجمات.
وختم البيان بالتأكيد على أن "رد الفعل القوي من جانب المجتمع الدولي ضروري لمنع زج الطالبات في عقر دورهن".
وفي أحدث حالات تسمم للطالبات في إيران، أعلنت وكالة أنباء "ركنا" الإيرانية عن تسمم 15 طالبة في مدينة أصلاندوز في أردبيل، شمال غربي البلاد، ونقلت عن مسؤول العلاقات العامة بمحافظة أردبيل قوله: "أصيبت 15 طالبة بالتسمم وهن الآن بالمستشفى لتلقي العلاج".
ولكن بعد وصول ظاهرة التسمم إلى العاصمة خلال اليومين الماضيين، أعلن المدعي العام في طهران، علي صالحي، اليوم الخميس 2 مارس (آذار)، عن متابعة الملف قضائيا "في الفرع الخاص لمحكمة طهران"، وقال إن "تحقيقات شاملة" بدأت حول تسمم الطالبات.
وأمس الأربعاء، أفادت التقارير الواردة من إيران بتعرض طالبات 26 مدرسة في مختلف المدن الإيرانية، لحالات تسمم بعد تعرضهن لاستنشاق "روائح مجهولة" لا يعرف مصدرها، مما أدى إلى نقل العديد من الطالبات إلى المراكز الطبية.
من جهته، قال رئيس جامعة أردبيل للعلوم الطبية، علي محمديان إنه تم نقل 400 طالبة من 11 مدرسة في هذه المحافظة إلى المستشفيات بواسطة سيارات الإسعاف الطارئة وبعضهن من قبل عائلاتهن، ولا تزال 100 طالبة في المستشفى تعاني من أعراض تسمم شديدة.
وتأتي زيادة معدلات هذه الحوادث- التي بدأت منذ 3 أشهر واستهدفت في أغلبها مدارس للبنات في مدينتي "قم" و"بروجرد"- فيما رفض المسؤولون والمؤسسات الإيرانية اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحديد واعتقال المتورطين.
وعلى الرغم من هذه الإحصائيات، التي أثارت قلقًا كبيرًا بين الطلاب وأسرهم، زعم وزير الداخلية الإيراني، أحمد وحيدي أن أكثر من 90% من الطالبات "تدهورت حالتهن بسبب التوتر"، ولم يتم العثور على مادة سامة محددة حتى الآن، وأضاف أنه لا توجد تقارير نهائية عن الحادثة حتى الآن، ولا تعرف المؤسسات الأمنية من يقوم بهذه الهجمات.
ونفت وكالة أنباء "إرنا" الحكومية الرسمية في إيران، في مقال لها وجود هذه "الهجمات البيولوجية" على الطالبات، وزعمت: "من المحتمل في بعض الحالات أن تنجم الأحداث بسبب شغب وفضول الطالبات أو خوفهن النفسي".
علما أن السلطات الإيرانية قبلت، بعد 3 أشهر من النفي والإنكار، وجود هذه الظاهرة المتعمدة في "بعض المدارس" وتحاول توجيه أصابع الاتهام إلى "الأعداء وإسرائيل والمنافقين" وتحميلهم مسؤولية هذه "الاغتيالات الكيماوية".
قلق دولي من ظاهرة التسمم
فيما أعرب عدد من المسؤولين السياسيين والمؤسسات الحقوقية في إيران والعالم عن قلقهم إزاء استمرار هذه الهجمات على الطالبات.
وأكدت وزارة الخارجية الأسترالية، رداً على سؤال مراسل "إيران إنترناشيونال" حول حالات التسمم في إيران: "إن الحكومة الأسترالية قلقة للغاية بشأن الأنباء الواردة بشأن تسمم مئات الطالبات في عدة مدن إيرانية". وتابعت: نحن نتابع الحدث عن كثب ونراقب الأوضاع بدقة.
من جهة أخرى، كتبت السيناتورة كلير تشاندلر، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والتجارة بمجلس الشيوخ الأسترالي، على حسابها في "إنستغرام": "هجوم مروع آخر على فتيات إيرانيات... تسمم تلميذات المدارس هو أحدث تكتيك من الوحوش لمواصلة الظلم على النساء والفتيات في إيران".
في الوقت نفسه، أعلن مكتب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في إيران، ردًا على استمرار ظاهرة تسمم الطالبات في إيران، أنه يتابع الأخبار المتعلقة بحالة التسمم عن كثب.
وأكد مكتب اليونيسف في إيران أن "المدرسة هي ملاذ آمن للأطفال والمراهقين للتعلم في بيئة آمنة وداعمة. مثل هذه الحوادث يمكن أن تترك تأثيرا سلبيا على معدل تعليم الأطفال، وخاصة الفتيات".
كما وصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية عمليات التسمم المتسلسلة للطالبات في مدارس إيران بأنها "مقلقة للغاية" و"مثيرة للاشمئزاز"، وقال: "التعليم حق عالمي، والنساء والفتيات في كل مكان من العالم لهن الحق في الحصول على التعليم والتربية".
وأضاف: "نتوقع من السلطات الإيرانية أن تحقق بشكل كامل في تسميم الطالبات، وأن تبذل كل ما في وسعها لإنهاء هذه الأعمال ومحاسبة المسؤولين".