تشبه سلوكيات ونهج علي خامنئي في هذه الأيام بشكل مذهل شخصية "دون كيشوت" بطل الرواية الشهيرة للكاتب سيرفانتس. إذ إن خامنئي، الذي يواصل إنكار الهزائم المتتالية ويتوهم الانتصارات، يشبه "دون كيشوت" الذي يرى نفسه فارسًا لا يُقهر، ويعتبر حتى الجبال والأشجار أعداء.
وخلال الأشهر الأخيرة، أكّد المحللون الدوليون وبعض الخبراء المحليين الذين يجرؤون على قول الحقائق، أن طهران ووكلاءها تعرضوا لضربات قاسية. فقد تعرضت حركة حماس إلى تراجع كبير، وتكبد حزب الله خسائر فادحة بما في ذلك فقدان قادة رئيسيين، كما سقط بشار الأسد في سوريا.
هذه التطورات أضعفت النظام الإيراني بشكل كبير في المنطقة. ومع ذلك، لا يزال خامنئي يصر على إنكار هذه الهزائم ويعتبرها مجرد "دعاية من الأعداء".
خامنئي يمارس هذا الإنكار عبر ثلاثة محاور:
• الإنكار في خطاباته: ففي خطاباته المتكررة، يؤكد خامنئي على أن إيران لم تُهزم. على سبيل المثال، بعد سقوط بشار الأسد، خطب خامنئي أربع مرات كرر فيها هذا السرد.
• إملاء الرواية على القادة العسكريين: أمر خامنئي المسؤولين وقادة الحرس الثوري الإيراني بإنكار هذه الهزائم في تصريحاتهم، حيث يتجاهل القادة الحقائق ويرددون ما يقوله القائد فقط.
• قمع المنتقدين: يهدد خامنئي المنتقدين والمحللين الذين يعارضون هذا السرد، ويتهمهم بالخيانة أو الجريمة.
وقد امتد هذا الإنكار إلى مجالات أخرى، بما في ذلك الاقتصاد. فبينما يقترب اقتصاد البلاد من الانهيار، حيث أغلقت العديد من الصناعات بسبب نقص الكهرباء والغاز، تحدث خامنئي في خطابه الأخير عن إمكانية تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 8 في المائة.
هذا الادعاء يأتي رغم أن تحقيق مثل هذا النمو، وفقًا لمسعود بزشكیان، يتطلب توفير 200 إلى 250 مليار دولار من الاستثمارات، منها ما يزيد على 100 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية.
وفي عام 2023، بلغ حجم الاستثمارات الأجنبية في إيران أقل من 1.5 مليار دولار، في حين جذبت دول مثل الإمارات العربية المتحدة أكثر من 30 مليار دولار.
وفي ظل هذه الظروف، فإن حديث خامنئي عن إمكانية تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 8 في المائة لا يعدو كونه وهمًا.
وبدلًا من الاستماع إلى الاقتصاديين البارزين في البلاد، والذين حذروا مرارًا من الخلل في الاقتصاد، يفضل خامنئي سماع المديح من أشخاص يمجدون كلماته. هؤلاء المادحون، بتكرارهم كلامه، يعززون لديه وهم "الوصول إلى القمة".
هذا النهج لم يلحق الضرر بالاقتصاد فحسب، بل أدى إلى تفاقم الأزمات المختلفة. حيث إن الإصرار على تجاهل صوت الشعب والخبراء، وإنكار الحقائق، والتمسك بسياسات فاشلة، يدفع البلاد نحو الهاوية.